المقدمة
تعد صناعة البناء من أكبر مستهلكي الموارد ورؤوس الأموال في العالم، ومع ذلك، ظلت إنتاجيتها أقل بكثير مقارنة بالصناعات مثل صناعة السيارات أو تكنولوجيا المعلومات في العقود الأخيرة (McKinsey، 2023). واحدة من الأسباب الرئيسية لذلك هي التركيز المفرط على المنتج المادي (البناء أو البنية التحتية) والإغفال عن الخدمات المعتمدة على المعرفة كجزء مكمل في سلسلة القيمة. اليوم، تتجه الاتجاهات العالمية نحو تحويل صناعة البناء من نموذج يعتمد على المنتج إلى نموذج يعتمد على الخدمات.
1. الخدمات المعتمدة على المعرفة: محرك تغيير الإنتاجية
تشير دراسات مجلة ابتكار البناء (2024) إلى أن المشاريع التي تستخدم الخدمات المعتمدة على المعرفة (مثل نمذجة معلومات البناء، تحليل البيانات البيئية، أو الاستشارات حول دورة الحياة) حققت متوسط انخفاض في التكاليف الإجمالية بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20% وتسريعًا في مواعيد التسليم بنسبة 10%.
BIM و Digital Twin: لم تعد هذه التقنيات مجرد أدوات تصميم. لقد أصبحت منصات لخدمات معتمدة على المعرفة مثل تحليل الطاقة، إدارة الأصول، وحتى محاكاة المخاطر.
الذكاء الاصطناعي واستخراج البيانات: التنبؤ بسلوك الهيكل أو استهلاك الطاقة لمشروع قبل بدء البناء يخلق قيمة مباشرة للمستثمرين.
2. أمثلة على الخدمات المعتمدة على المعرفة في البناء
استشارات دورة الحياة: اتخاذ قرارات بشأن المواد والأنظمة ليس فقط بناءً على التكلفة الأولية، ولكن بناءً على التكاليف على مدى الثلاثين عامًا القادمة.
خدمات المراقبة والصيانة الذكية: استخدام الإنترنت للأشياء (IoT) لمراقبة صحة الهياكل والمرافق، مما يقلل بشكل كبير من تكاليف الإصلاحات الطارئة.
النماذج المالية المبتكرة: تقدم الشركات المعتمدة على المعرفة خدمات تدير المخاطر المالية للمشاريع من خلال محاكاة السيناريوهات الاقتصادية.
3. الآثار الاستراتيجية على الصناعة
تحويل القيمة: القيمة المضافة تتحول من بيع "الأمتار المربعة" إلى بيع "المعرفة والخدمات".
التنافسية العالمية: البلدان والشركات التي ستؤسس الخدمات المعتمدة على المعرفة في وقت مبكر ستتمتع بميزة في سوق المشاريع الدولية.
جذب الاستثمارات الأجنبية: يبحث المستثمرون المؤسساتيون عن المشاريع التي يتم تصميمها وإدارتها وفقًا للمعايير المعتمدة على المعرفة، لأنها تحمل مخاطر أقل.
4. وضع إيران والفرص المستقبلية
على الرغم من سوق البناء الكبير في إيران والقدرة البشرية المتخصصة العالية، فإن إيران لا تزال متأخرة عن دول المنطقة من حيث البنية التحتية للخدمات المعتمدة على المعرفة. ومع ذلك، الفرص واضحة:
إنشاء مراكز D&R مشتركة بين الجامعات والشركات القابضة في قطاع البناء.
تصدير الخدمات الهندسية المعتمدة على المعرفة إلى الدول المجاورة التي تنفذ مشاريع بنية تحتية بسرعة.
تطوير شركات ناشئة في مجالات المراقبة، BIM، وإدارة طاقة المباني.
الخاتمة
الخدمات المعتمدة على المعرفة في صناعة البناء ليست "إضافة فاخرة"، بل هي الأساس لمستقبل التنافسية في هذه الصناعة. كما غيرت مصادر الطاقة المتجددة قواعد سوق الطاقة، فإن الخدمات المعتمدة على المعرفة تعيد تعريف "طبيعة المشاريع الإنشائية".
بمعنى آخر، في المستقبل القريب، سيكون المشروع القيم هو الذي لا يقدم فقط الجدران والأسطح، ولكن أيضًا المعرفة والبيانات والحلول الذكية لأصحاب المصلحة فيه.