دور الطاقة المتجددة في صناعة البناء

دور الطاقة المتجددة في صناعة البناء

في العقد الماضي، تحولت الطاقة المتجددة من مجرد شعار بيئي إلى أحد المحركات الرئيسية للتحول الاقتصادي والصناعي. في صناعة البناء، التي تمثل حوالي 37% من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي و39% من انبعاثات CO₂، أصبح الانتقال إلى الطاقة النظيفة ليس فقط التزامًا بيئيًا، بل ضرورة استراتيجية لاستمرار القدرة التنافسية.

1. من مستهلك إلى منتج للطاقة

كان نموذج صناعة البناء التقليدي يعتمد على استهلاك الطاقة الأحفورية: حيث كانت محطات الطاقة تنتج الطاقة خارج المدن، وكانت المباني مجرد مستهلك للطاقة. ولكن مع تقدم تقنيات الطاقة الشمسية (PV)، والتوربينات الريحية الصغيرة، وأنظمة استرداد الطاقة الحرارية، أصبحت المباني اليوم قادرة على التحول إلى وحدات منتجة للطاقة (Prosumers). تظهر دراسة نشرت في Renewable Energy Reviews في عام 2024 أن المباني التي تحتوي على أنظمة شمسية متكاملة (BIPV) قادرة على إنتاج ما يصل إلى 45% من استهلاكها للطاقة، وفي بعض الحالات، يمكنها الوصول إلى نقطة "صفر الطاقة" (Net Zero Energy). بالنسبة للمطورين والمقاولين على نطاق واسع، يعني هذا التغيير مسح الحدود بين "التصميم المعماري" و"البنية التحتية للطاقة". بمعنى آخر، لم يعد التصميم ممكنًا دون التفكير في الطاقة.

2. الطاقة النظيفة كمؤشر مالي جديد

في مشاريع البناء اليوم، أصبحت استدامة الطاقة مؤشرًا ماليًا. يظهر تقرير Construction Innovation لعام 2024 أن المشاريع التي تستخدم تقنيات الطاقة المتجددة تحصل على تقييمات مخاطر أقل في التقييمات المصرفية والتمويلية الدولية. كما يفضل المستثمرون الخاصون المشاريع الخضراء بسبب الشفافية في التكاليف التشغيلية والاستقرار على المدى الطويل. في أوروبا وشرق آسيا، لا يمكن بدء العديد من المشاريع الإنشائية دون خطة للطاقة المتجددة. نتيجة لذلك، لم تعد الطاقة النظيفة مجرد خيار تصميم، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من سلسلة القيمة المالية والإدارية للمشروع.

3. التقنيات التي تغير الصناعة

يحدث التحول الحقيقي عندما يتم دمج الطاقة المتجددة في عملية البناء، وليس فقط في مرحلة التشغيل. في هذا السياق، كانت هناك ثلاث اتجاهات تكنولوجية رئيسية بين عامي 2023 و2025:

معًا، قامت هذه التقنيات بتعريف مفهوم "ورشة العمل الذكية الخضراء". ورشة لا تستهلك الطاقة فقط بل تنتج البيانات أيضًا.

4. الآثار الاقتصادية والجيوسياسية

إن الانتقال إلى الطاقة المتجددة في صناعة البناء ليس مجرد مسألة تقنية، بل جزء من السياسة الصناعية للقرن الواحد والعشرين. البلدان التي دمجت هذه التقنيات في مشاريع البناء في وقت مبكر تتمتع الآن بميزة تصدير الخدمات الفنية والهندسية. على سبيل المثال، الإمارات العربية المتحدة بمشاريعها مثل Mohammed bin Rashid Al Maktoum Solar Park والمملكة العربية السعودية بمشاريعها مثل NEOM وThe Line قد أعادت تعريف نماذج البناء الخاصة بها حول محور الطاقة المتجددة. في المقابل، تواجه الدول التي لا تزال تعتمد على الطاقة الأحفورية تحديات مزدوجة تتمثل في زيادة التكاليف وفقدان المصداقية البيئية. من هذه الزاوية، لم تعد صناعة البناء مجرد مستهلك لسياسة الطاقة، بل أصبحت لاعبًا نشطًا فيها.

5. موقف إيران والفرص المتاحة

نظرًا لارتفاع إمكانياتها في الطاقة الشمسية والرياح، تعد إيران واحدة من أكثر البلدان في المنطقة استعدادًا لتطوير الطاقة المتجددة. ومع ذلك، فإن هذه الإمكانيات لم تتحقق بالكامل بعد في صناعة البناء.

بالنسبة للفاعلين في صناعة البناء في إيران، هناك ثلاث مسارات عملية:

  1. دمج الطاقة المتجددة في مشاريع التطوير الخاصة بهم (خصوصًا في المباني الإدارية والصناعية) لتقليل التكاليف التشغيلية وزيادة قيمة الأصول مع مرور الوقت.

  2. الاستثمار في تقنيات البناء المحلية الخضراء، من المواد منخفضة الكربون إلى الأنظمة الشمسية المودولارية الإيرانية.

  3. إنشاء شبكة معرفية واستشارية في مجال التصميم المدعوم بالطاقة للمطورين والمستثمرين المحليين والإقليميين.

وفقًا لتقرير IEA Renewables 2024 Outlook، بحلول عام 2030، سيكون أكثر من 45% من المشاريع الإنشائية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط ملزمة باستخدام نوع من أنظمة الطاقة المتجددة. وهذا يعني أن مسار المنافسة في صناعة البناء في المنطقة يتحول بسرعة إلى اللون الأخضر، وأن اللاعبين الذين يستثمرون في هذا الاتجاه الآن سيكون لديهم حضور فعال في الخريطة الجديدة للطاقة.

في الختام، لم يعد دور الطاقة المتجددة في صناعة البناء محدودًا بـ "تقليل الاستهلاك" فحسب، بل أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالمنطق الاقتصادي والعلامة التجارية للصناعة بأكملها. المشروع الذي ينتج طاقته الخاصة سيزيد من قيمته مع مرور الوقت، والمجموعة التي يمكنها دمج هذا النهج في سلسلة التصميم والبناء والتشغيل وإدارة رأس المال لن تكون مجرد بناة للمباني، بل ستكون بناة للمستقبل.